جرعتنا في هذة المقالة عبارة عن خليط مما سبق وتحدثنا عنه، المحركات النفاثة، لكنها بنكهة الصواريخ ذات المديات البعيدة جداً والتي نقلت الانسان الى الفضاء الخارجي.
. فبعد اختراع المحرك النفاثة بحوالي عقدين من الزمن ودخوله للعمل في العديد من الطائرات العسكرية والمدنية والتي سابقت الصوت بسرعتها، بدأت تظهر الصواريخ- التي هي تقنية متقدمة من المحركات النفاثة- هذه الصواريخ التي حملت الأقمار الاصطناعية الى مدارتها في حول الأرض، ومكنت الانسان من غزو الفضاء، فقد وصلت المركبات المأهولة بالبشر وهبطت فوق سطح القمر، كما ووصلت مركبات غير مأهولة الى ابعد من ذلك ككوكب المريخ وغيره من الكواكب والاجرام السماوية.
يعود تاريخ صناعة الصواريخ النفاثة الى القرن الثالث عشر وربما قبل ذلك، وكان العرب من السباقين في استخدمها اثناء الحروب الصليبية، ويعتبر الكيميائي والمهندس العربي الشامي نجم الدين حسن الاحدب المعروف ب(حسن الرماح) أول من وضع وصفاً تفصيلياً للصواريخ وكان ذلك بين عامي 1270 و 1280 ميلادية.
كما ويعتبر الصينيون من الأوائل في صناعة الألعاب النارية التي تعتمد على الدفع الصاروخي.
ثم تطورت فكرة الألعاب النارية لتستخدم في الأسلحة الحربية، وانتشرت في منطقتنا العربية وأوروبا اثناء اجتياح المغول لهذه المناطق، وبقيت كذلك حتى عام 1633 ميلادية عندما قام العالم العثماني لاجاري حسن جلبي باجراء اول تجربة على طيران الصواريخ، وذلك بأطلاق صاروخ واعادته للهبوط على الأرض بنجاح، كان صاروخه مخروطي الشكل وله اجنحة بدائية، وحصل لاجاري حسن جلبي على مكافئة سلطانية بجعله يتولى منصباً رفيعاً في الجيش العثماني.
في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، صُنع اول صاروخ غلافه الخارجي من الحديد في مملكة ميسور (جنوب الهند حالياً) التي كانت في ذلك الوقت مملكة إسلامية وتحت حكم الملك حيدر علي، من ثم ابنه السلطان تيبو. كان هذا الصاروخ الميسوري هو الأساس لصناعة الصواريخ البريطانية لاحقاً والصواريخ التي استخدمها نابليون في حملاته العسكرية ايضاً. من اهم التحسينات التي ظهرت على هذا الصاروخ هو زيادة المدى، فقد وصل مداه الى 1800 متر بينما كان مدى الصواريخ السابقة حوالي 91 متر فقط.
في عام 1813 ميلادية، قام عالم الرياضيات البريطاني (ويليم موور) بوضع أُسس عمليات حساب دايناميكية الدفع الصاروخي، وفي عام 1815 قام قائد المدفعية الروسية (الاسكندر ديميتريڤيتش) بصناعة قاعدة لأطلاق الصواريخ قادرة على اطلاق ستة صواريخ دفعة واحدة.
وفي عام 1844م قام البريطاني ويليم هيل بتعديلات على الصواريخ المعروفة في ذلك الوقت، ادت هذه التعديلات الى زيادة دقة إصابة الصواريخ. اما عالم الرياضيات الاسكوتلاندي (ويليم ليتش) فقد قدم مفهوم جديد في استخدام الصواريخ عام 1861م، وهو إمكانية نقل البشر باستخدام هذه الصواريخ. وفي عام 1903 استفاد العالم الروسي (كوستانتين تسيوكوڤيسكي) من هذه الفكرة واقتنع بإمكانية تحقيقها وبالتالي كانت الأساس في استخدام الصواريخ لدفع مركبات فضائية تحمل البشر بداخلها.
الى ما قبل عام 1920 ميلادية كان استخدام ملح البارود (الوقود الصلب) هو الشائع والمنتشر، حتى جاء عالم الفيزياء الأمريكي(روبرت جودارد) وقام بصناعة اول صاروخ يعمل بالوقود السائل، ادى استخدام الوقود السائل في دفع الصواريخ الى الزياد من فعاليتها (حيث زادت الفعالية من 2٪ الى 64٪)، وكذلك أدى الى زيادة مدياتها بشكل كبير جداً (حيث وصل مدى بعض الصواريخ الى مئات وآلاف الكيلوميرات).
وفي عام 1923 قام المهندس والفيزيائي الألماني (هيرمان اوبريث) بوضع كتاب يشرح فيه كيفية استخدام الصواريخ لحمل ودفع المركبات الى الفضاء، ويعتبر (هيرمان) الاب الروحي لصواريخ الدفع بالإضافة الى العالم الروسي كوستانتين والامريكي جودارد وآخرين غيرهم.
فتحت الصواريخ التي تدفع بالوقود السائل جميع الإمكانيات امام العلماء لغزو الفضاء وبداء ذلك بعد حقبة الحرب العالمية الثانية، أي بعد عام 1945 ميلادية حيث استفاد الامريكان من العلماء الالمان الذين انتقلوا للعمل في الولايات المتحدة الامريكية بعد هزيمة المانيا في الحرب، كذلك كان الروس يعملون بجهد ومثابرة شديدتين لمواكبة هذا العلم المتطور بسرعة هائلة، فكان لهم برامجهم الفضائية الخاصة. وخلال حقبة ما كان يعرف بالحرب الباردة وكنتيجة لحاجة الدول للأسلحة المدمرة وبعيدة المدى، ظهرت الكثير من الصناعات الصاروخية الجديدة منها الصواريخ العابرة للقارات (مدى بعضها يصل الى 5000 كم)، ثم بدأت هاتين القوتين الكبيرتين ( الاتحاد السوفيتي سابقاٍ والولايات المتحدة الامريكية) بالسباق في اكتشاف الفضاء الخارجي، لذلك كانت الصواريخ هي الوسيلة الأهم في مشاريع اكتشاف الفضاء. ففي 12 نيسان/ابريل 1961م اصبح رائد الفضاء الروسي (يوري غاغارين) اول انسان يتمكن من الطيران في الفضاء الخارجي والدوران حول الأرض.
وفي 21 تموز/ يوليو 1969م هبطت اول مركبة فضاء امريكية مأهولة على سطح القمر.
وفي 17 حزيران/يونيو 1985 كان صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن سلمان أول شخص عربي مسلم يشارك في غزو الفضاء.
في الجرعات القادمة سنتحدث بالتفصيل عن هولاء الرواد الثلاثة فقط ، علماً بان هناك الكثير من رواد الفضاء في العالم.