برنامجي الفضاء عطارد والجوزاء – ١

في هذه الجرعة سنستعرض وأياكم برنامجي (مشروعي) الفضاء الأمريكيين الذين سبقا برنامج الفضاء أبولو، والقصد من ذلك هو تعريفكم على الخطوات التي أتبعتها وكالة الفضاء الامريكية في تأهيل روادها وتسليحهم بالخبرات الكافية قبل البداء ببرنامج ابولو الذين سيحمل الانسان والهبوط به على سطح القمر.

بدأ سباق التسلح بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (وهو ما يعرف بسباق التسلح بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفياتي سابقاً)، وكانت مضامير هذه السباق مختلفة، فمنها سابق التسلح النووي، وايضاً سباق في صناعة وتطوير الصواريخ العابرة للقارات (وقد ذكرنا أهمية هذا السباق في جرعات سابقة)، وكذلك سباق غزو الفضاء (وقد ذكرنا هذا ايضاً في الجرعة التي تحدثنا فيها عن اول انسان انطلق للفضاء الخارجي وعاد سالماً).

كان الاتحاد السوفياتي هو الاسبق في بعض هذه المضامير، مما حفز الولايات المتحدة الامريكية لبذل مزيد من الجهد والمال للحاق وربما احراز السبق في بعض مضامير هذه السباقات.

وعليه فقد أقرت حكومة الولايات المتحدة الامريكية مشاريع فضائية لغزو الفضاء ولمحاولة إيصال الانسان وهبوطه على سطح القمر، وتم تكليف وكالة الفضاء الامريكية (ناسا) للقيام بمهام استكشاف الفضاء وارسال رواد الفضاء للفضاء الخارجي بعد ان كانت مثل هذه المشاريع تحت إدارة وتنفيذ سلاح الجو الأمريكي.

مع التطور الكبير الذي حصل في صناعة وتكنولوجيا الصواريخ، أصبح بالإمكان استخدام الصواريخ لوضع الأقمار الاصطناعية في مداراتها حو الأرض لأغراض كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:

أقمار اصطناعية لأغراض الاتصالات.

أقمار اصطناعية لأغراض جمع المعلومات عن الطقس والاحوال الجوية.

أقمار اصطناعية تجسسيه.

البرنامج (المشروع) الأول: مشروع عطارد (Project Mercury)

أعلنت الولايات المتحدة الامريكية عن مشروع عطارد الفضائي في شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 1958م، وكان الهدف الرئيسي من المشروع هو إرسال ووضع الانسان في مدار حول الأرض ومن ثم اعادته هو ومركبته الى الأرض سالمين، كذلك كان من اهداف المشروع التأكد من قدرة الطيارين ورواد الفضاء من العمل في الفضاء في ظروف عمل مختلفة عن ظروف العمل على الرض، وقد استمر المشروع حتى عام 1963م حيث بدأ مشروع آخر وبأهداف أخرى أكبر.

فازت شركة ماكدونل لصناعة الطائرات بعقد تصنيع مركبة الفضاء عطارد بقيمة 175 مليون دولار، وكانت كلفة المشروع الاجمالية حوالي 2 وربع مليار دولار (التكلفة حسب قيمة الدولار عام 2019)، بينما فازت شركة أمريكا الشمالية للطيران بعقد تصنيع صاروخ الدفع الذي سيحمل المركبة الفضائية الى مدارها حول الارض، وايضاً فازت شركة الاتصالات الغربية بعقد تصنيع معدات الاتصالات بين المركبة الفضائية والمحطات  الأرضية التي ستتابع المركبة، بالإضافة الى العديد من الشركات التي فازت بتصنيع أجزاء أخرى وصواريخ أخرى (غير الصاروخ الأول) ذوي فعالية وأداء افضل، اضف الى ذلك ان سلاح الجو الأمريكي سمح لوكالة الفضاء الامريكية باستخدام ميدان رماية الصواريخ التابع له في قاعدة كيب كناڤرل (Cape Canaveral Air Force Station) بولاية فلوريدا، وفي هذا المكان كان مركز التحكم والسيطرة على رحلات الفضاء واستمر الامر كذلك حتى عام 1965م عندما نُقل مركز السيطرة الى مدينة هيوستن بولاية تكساس.

تم تصنيع مركبة الفضاء عطارد لتكون قادرة على تحمل درجات حرارة عالية جداً خاصة اثناء مرحلة الدخول في الغلاف الجوي الأرضي خلا رحلة العودة الى الأرض، لذلك كانت قاعدتها محدبة الشكل وذات تصفيح عالي ومصنعة من مواد تسمح بتحمل درجات حرارة عالية جداً، وكانت مخصصة لاستيعاب رائد فضاء واحد فقط.

صنعت مركبة الفضاء عطارد على شكل مخروط بطول 3،3 متراً وبعرض 1،8 متراً، ووزنها الإجمالي 1400 كغم (في اقصى حالتها)، وكانت تتكون من الأجزاء الرئيسية للمركبة:

وصف الأجزاء:

  1. ثلاثة صواريخ دفع، لكنها ستستخدم في رحلة العودة للتقليل من السرعة اثناء دخول المجال الجوي الأرضي.
  2. القاعدة المحدبة المصفحة والتي تعمل كدرع لحماية الكركبة من درجات الحرارة العالية اثناء الاحتكاك بالغلاف الجوي الأرضي في مرحلة العودة الى الأرض.
  3. قمرة القيادة المخصصة لرائد فضاء واحد.
  4. غرفة مظلات الهبوط، وتحتوي على ثلاث مظلات، المظلة الأولى لتوازن المركبة اثناء الهبوط، والمظلة الثانية هي المظلة الرئيسية التي ستحمل المركبة والهبوط بها تدريجياً الى مياه المحيط، والمظلة الثالثة احتياطية.
  5. اللواقط (الانتينات) والتي ستستخدم للاتصالات ولتوجيه المركبة.
  6. نظام الهروب اثناء عملية الاطلاق، ويستخدم في الحالات الطارئة فقط، اذا حدث أي مكروه اثناء عملية اطلاق المركبة وذلك لحماية رائد الفضاء والمحافظة عليه وعلى المركبة.

صواريخ الاطلاق:

خلال فترة استخدام مركبة الفضائية عطارد تم استخدام عدد من صواريخ الاطلاق التي نجح معظمها بحمل المركبة ووضعها في مدارها حول الأرض. وكانت صواريخ الدفع المستخدمة من عدة أنواع منها على سبيل المثال:

  1. عطارد-الصخر الأحمر  (MERCURY – REDSTONE 2 LUNCH VEHICLE).
  2. عطارد-الصخر الأحمر (MERCURY – REDSTONE LUNCH VEHICLE).
  3. صاروخ المشتري سي (JUPITER C, LUNCH VEHICLE).

اختلفت صواريخ الدفع أعلاه عن بعضها البعض بالعديد من المواصفات من أهمها نوع الوقود الذي تحمله، فبينما كان بعضها يحمل وقود مكون بشكل رئيسي من خليط من أثيل الكحول والماء، حمل بعضها الاخر مزيج من ثنائي ميثيل هيد رازين غير متماثل وثنائي إيثلين تريمامين بنسب متفاوتة، وحسنات هذا الوقود انه اقوى من وقود أثيل الكحول ولكن من سيئته الكبرى انه كان سام جداً وخطورته عالية على رواد الفضاء في حالات الطوارئ. وفي الصورة التالية سنرى أنواع صواريخ الدفع المختلفة التي استخدمت في السبع رحلات المأهولة بالبشر ضمن برنامج عطارد الفضائي.

طاقم رواد الفضاء الذين سيشاركون في رحلات برنامج الفضاء عطارد:

الجدول التالي يبين أسماء الذين تم اختيارهم للقيام بقيادة مركبة الفضاء عطارد الى مدارها والعودة بها الى الأرض:

اشتمل تدريب رواد الفضاء جميع النواحي التي يمكن ان يتعرضوا لها اثناء تنفيذ رحلاتهم، ومن بين التدريبات الضرورية والقاسية، كان لا بد من التدرب على الحركة والعمل اثناء عدم وجود جاذبية أرضية.

والتدريب على تحمل الضغط العالي (High G forces) التي سيتعرضون لها اثناء عملية الإقلاع وكذلك اثناء لحظات دخول المركبة الغلاف الجوي الأرضي في رحلة العودة،

وكذلك التدريب على كيفية الاخلاء والخروج من المركبة بعد هبوطها في مياه المحيط.

هذا بالإضافة للتدريب الأساسي على كيفية قيادة المركبة الفضائية،

بعد تدريب رواد الفضاء على جميع المهمات التي عليهم القيام بها اثناء رحلاتهم بدأت رحلات حقيقة لغزو الفضاء، لكن في البداية كانت هناك رحلات تجريبية عديدة، منها غير مأهول نهائياً، وكان عددها ثمانية عشر رحلة، المبينة بالجدول التالي:

ومنها ما كان مأهول بكائنات حية أخرى من غير البشر، كالقرود مثلاً.

كما وتم الغاء تسع رحلات لأسباب مختلفة.

وبعد ان تم التأكد من دقة جميع المعلومات وصلاحية الصواريخ والمركبات والاتصالات والإجراءات المتبعة والتأكد من كل كبيرة وصغيرة بدأت رحلات الفضاء المأهولة برواد الفضاء وكانت على مرحلتين:

المرحلة الأولى:

رحلات شبه مدارية، أي ان المركبة الفضائية لن تصل الى مدارها حول الأرض، بل ستصل الى ارتفاع محدد ثم تعود الى الأرض، وقد أستخدم الصاروخ عطارد – الحجر الأحمر لحمل المركبة الى ارتفاعها.

والجدول التالي يبين الرحلات التي تمت في هذه المرحلة:

المرحلة الثانية:

رحلات مدارية، أي ان المركبة الفضائية ستصل الى مدارها حول الأرض، وستقوم بالدوران حول الأرض عدد من الدورات قبل عودتها للأرض، وقد أستخدم الصاروخ عطارد – أطلس لحمل المركبة الى مدارها.

هذا الرسم يبين مراحل اطلاق المركبة عطارد ووصولها للمدار وعودتها للأرض،

الجدول التالي يبين الرحلات التي تمت في هذه المرحلة:

السيطرة والتحكم من الارض على رحلات برنامج الفضاء عطارد كانت تتم بواسطة 18000 شخص في جميع المجالات التي تضمن سلامة رواد الفضاء والمركبة الفضائية ولتحقيق الأهداف المرجوة من البرنامج. وللعلم فقد كان هناك 18 محطة متابعة موزعة في دول مختلفة من العالم وجميعها من الدول التي تقع على خط الاستواء.

بعد ان حقق برنامج الفضاء عطارد الأهداف التي وضعت لها مسبقاً، تم إيقاف البرنامج وبدأ بعده برنامج آخر بأهداف أخرى، وهذا ما سنتحدث عنه في جرعتنا القادمة من برنامجي الفضاء عطارد والجوزاء.

المرجع