رواد في عالم الفضاء ١ – يوري غاغارين

جرعتنا في هذة المقالة استكمالاً للجرعة السابقة عن الصواريخ وغزو الفضاء، لكننا سنخصصها هي والجرعتين التاليتين للحديث عن ثلاثة من أوائل رواد الفضاء.

وسنبداء بأول من صعد الى الفضاء الخارجي بمركبة فضائية في التاريخ البشري، انه رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين.

الاسم: يوري الكسيافيتش غاغارين.

تاريخ الميلاد: 9 آذار/مارس 1934 ميلادية.

مكان الولادة: كلوشينو/غزاتسك الى الغرب من موسكو/ الاتحاد السوفياتي سابقاً.

تاريخ الوفاة: 27 آذار/مارس 1968 ميلادية.

سبب الوفاة: حادث طيران.

مكان الوفاة: قاعدة تشاكالوفسكي الجوية بالقرب من قرية كرزش/ الاتحاد السوڤياتي سابقاً.

الديانة: المسيحية.

العصر الذي عاش فيه:  عاش في القرن العشرين.

المهنة: ضابط طيار ورائد فضاء.

اللغات التي يتقنها: الروسية.

كانت ولادة يوري جاجارين في كلوشينو قريب من غزاتسك غرب موسكو في مايسمى بالاتحاد السوڤياتي في ذالك الوقت و روسيا حالياً، كان والده يعمل نجاراً، وكان ترتيبة الثالث بين إخوته الأربعة، فقد يوري غاغارين شقيقيه الأكبر الذي وقع أسيراً بيد القوات الالمانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية. وفي أثناء سنوات الدراسة الأولى وصفه استاذه بالذكي والمجتهد والمتفاني في عمله. بعد المدرسة عمل غاغارين في احد مصانع الحديد، واثناء وجوده بالمصنع تم اختياره لاحد برامج التدريب في المعهد التكنولوجي في مدينة رستوڤ. بداء اهتمام غاغارين بالطيران اثناء وجوده بالمعهد، ولوجود نادي طيران للطائرات الخفيفة، بداء غاغارين بالتدرب على الطيران في هذا النادي.

وبعد أن أنهى دراسته بالمعهد، التحق بكلية الطيران الحربية التابعة لسلاح الجوي الروسي عام 1955م، (وللعلم فأن يوري غاغارين كان قصير القامة اذ لم يتجاوز طوله 157 سم فقط، وكان لهذا القصر اثره السيئ عليه اثناء التدريب حيث كان يواجه صعوبة في رؤية الأرض اثناء عملية الهبوط بالطائرة مما جعل مدربه يفكر في كيفية التخلص من هذه المشكلة، فوجد الحل بوضع مخدة تحت مقعدة يوري حتى يتمكن من رؤية الأرض بشكل جيد، وسبحان الله العظيم نفس السبب (قصر القامة) جعله اكثر تأهيلاً للمشاركة بالاختيار النهائي لرواد الفضاء كما سنرى لاحقاً)، وتخرج منها برتبة ملازم طيار عام 1957م وكان قد جمع خلال فترة تدريبه حوالي 167 ساعة طيران. التحق بعد تخرجه بالأسطول الجوي الشمالي على الحدود مع النرويج لمدة عامين حيث تمت ترقيته لرتبة ملازم اول طيار عام 1959م وكان مجموع ساعات طيرانه 265 ساعة طيران حتى هذا التاريخ.

كان غاغارين من الأشخاص الشغوفين بالفضاء وكان هذا واضح لزملائه ورؤسائه على حدٍ سواء، لذلك تمت تزكيته لبرنامج الفضاء الروسي الذي كان في بداياته.

التحق غاغارين ببرنامج ڤوستوك الفضائي الروسي، حيث خضع هو وحوالي 154 طياراً (الطيارين المرشحين للمهمة المرتقبة) للعديد من الاختبارات الصحية والطبية والبدنية والنفسية والعلمية، كانت الاختبارات صعبة للغاية، كما ان لجان الاختبارات كانت شديدة الحرص ودقيقة في اختيار الطيار المناسب لرحلة الفضاء الأولى في العالم، ومن بين الشروط ايضاً ان لا يقل عمر الطيار عن 25 سنة ولا يزيد عن 30 سنة (كان عمر غاغرين 27 سنة)، ، ويجدر الإشارة الى ان رئيس مهندسي المركبة الفضائية ڤوستوك وضع شروطاً ايضاً لانتخاب رائد الفضاء الروسي المرتقب، منها ان لا يزيد طوله عن 170 سم ولا يزيد وزنه عن 72 كغم، وهذه الشروط جعلت حظوظ يوري بالمنافسة اقوى، فكما ذكرنا سابقاً فقد كان يوري غاغارين قصير القامة وخفيف الوزن وملائم جداً للمركبة ڤوستوك.

تأهل 29 طياراً من بين ال (154) طياراً ولكن الحكومة السوڤياتية وافقت على عشرين منهم فقط، من بينهم يوري غاغارين، وبعدها بدأت مراحل التدريب لهؤلاء الطيارين لاختيار ثلاثة فقط ليكونوا النواة الأولى لرواد الفضاء الروس بحيث يكون الفائز الأول هو رائد الفضاء الرئيسي والفائز الثاني هو رائد الفضاء الاحتياطي فيما اذا حصل أي مكروه للفائز الأول، والفائز الثالث هو احتياطي للفائز الثاني. اشتمل برنامج التدريب للعشرين طياراً على العديد من النشاطات البدنية والهبوط بالمظلات من ارتفاعات منخفضة وارتفاعات عالية التعرض لنقص الاكسجين لفترات زمنية محددة مسبقاً، ومن ضمن الاختبارات النفسية الصعبة، كان لا بد من عزل الطيارين بغرف خاصة (كبسولة) لمدة طويلة من الزمن، فمثلاً بقي غاغارين داخل هذه الكبسولة لمدة احد عشر يوماً وذلك من تاريخ 26 تموز/يوليو وحتى 5 آب/أغسطس 1960م، وكذلك التعرض لقوى الجاذبية الأرضية داخل كبسولات مخصصة لهذا الغرض، قوة الجاذبية هذه لها تأثير كبير على الطيارين ورواد الفضاء لذلك كان على جميع المرشحين ان يكونوا قادرين على تحمل هذه القوة والقدرة على التعامل مع مركبة الفضاء بوجود هذه القوة او بغيابها.

من بين العشرين طياراً، وكنتيجة للاختبارات التي طبقت عليهم، تم اختيار أفضل ستة طيارين، كان يوري غاغارين من بين هؤلاء الستة، بل يمكن القول بأنه كان افضلهم وذلك بشهادة المدربين المختلفين (في جميع مراحل التدريب) وايضاً بشهادة زملائه الطيارين. على سبيل المثال هذه شهادة احد أطباء سلاح الجو الروسي بيوري غاغارين (متواضع، يشعر بالحرج عندما يكون مفعماً بالحيوية، لديه درجة عالية التطور الفكري، ذاكرته قوية جداً، يتميز عن اقرانه بشعوره الحاد لما يدور حوله، خياله واسع ومتطور، لديه ردود فعل سريعة، مثابر، جاهز وبكل ثقة لجميع الأنشطة التدريبية التي تطلب منه، يستطيع التعامل مع الميكانيكا الفضائية والمعادلات الرياضية بسهولة وأتقان عالي، يدافع عن وجهة نظرة (خاصة عندما يعتقد انه على صواب) بدون قيود او حرج، يفهم معنى الحياة اكثر من أصدقائه الاخرين).

في شهر كانون الثاني/يناير 1961م اطلق لقب رائد فضاء طيار على هؤلاء المرشحين الستة، وأخضعوا لاختبار لجنة الفضاء لمدة يومين، حيث كانت مهمة اللجنة ترتيب المرشحين الستة حسب قدراتهم واستعداداتهم لمهمة رائد الفضاء لأول في تاريخ البشرية. وفي 17 كانون الثاني/يناير 1961م خضعوا لاختبار المحاكة (الطيران التشبيهي) على نموذج يشبه مركبة الفضاء ڤوستوك التي ستستخدم في الرحلة الفضائية الحقيقية. حصل أربعة من المرشحين الستة على نتائج ممتازة من بينهم غاغارين، وفي اليوم التالي اخضعوا لاختبارات تحريرية لتحديد الفائز الأول والثاني والثالث، وكانت النتائج النهائية كما يلي:

المركز الأول: يوري غاغارين (رائد الفضاء الرئيسي)

المركز الثاني: جيرمان تيتوڤ. (رائد فضاء احتياطي / اول)

المركز الثالث: جريجوري نيلابوڤ. (رائد فضاء احتياطي / ثاني)

رحلة الفضاء الأولى:   

بتمام الساعة التاسعة وسبع دقائق صباحاً بتوقيت موسكو، 12 نيسان/ابريل 1961م، هدرت صواريخ الدفع التي تحمل مركبة الفضاء ڤوستوك1 إذاناً ببداء عصر صعود الانسان الى الفضاء الخارجي، وكان على متنها اول انسان (رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين) من مركز انطلاق الفضاء (بيكنور) ب (كزخستان) حالياً، وكان نداء الرحلة هو (شجرة الأرز).

كانت الأربعة صواريخ تعمل بطاقة هائلة لرفع المركبة من محطة الاطلاق ودفعها الى الفضاء الخارجي، بعد ان انتهى وقودها وانتهى دورها في المهمة، انفصلت وسقطت على الأرض بينما استمر المحرك الرئيسي بدفع المركبة الى مدارها حول الأرض، وعندما وصلت المركبة لمدارها المخصص انفصل المحرك ايضاً وبقي غاغارين ومركبته وحيدين في الفضاء.

دارت المركبة في الفضاء وحول الأرض دورة كاملة وكانت تحلق على ارتفاع 327 كم عن سطح الأرض قبل ان تبداء رحلة العودة الى الوطن الام، الأرض، وخلال وجوده في رحلته الفضائية هذه صدرت الأوامر بترقية الملازم الأول الطيار ورائد الفضاء يوري غاغارين الى رتبة رائد بالقوات الجوية الروسية تقديراً لشجاعته وقدرته ومهارته.

اثناء عودة المركبة الى الأرض، ورغم تعرض غاغارين الى ضغوطات الجاذبية الأرضية التي وصلت الى ثمانية اضعاف وزنه الحقيقي، الا انه حافظ على يقظته وانتباهه حتى وصل الى ارتفاع 23000 قدم (7 كم) فوق سطح الأرض، وكما ذكرنا آنفاً فان محرك المركبة انتهى عمله ولم يعد يعمل (هذا جزء من تصميم المركبة وليس خطاءً فنياً)، لذلك كان على غاغارين القفز خارج المركبة على ارتفاع 7 كم والهبوط بالمظلة الى سطح الأرض، وقد نجح بهذا ايضاً، بعد رحلة فضائية استمرت 108 دقائق.

استُقبل يوري غاغارين استقبال الابطال، واصبح احد ابطال واعلام الاتحاد السوڤياتي بل احد ابطال العالم المشهورين، حصل على الكثير من الجوائز والميداليات والاوسمة التقديرية ليس من بلده فقط وانما من كل دول العالم التي زارها. كان الهدف من زيارة دول العالم هو الترويج للنجاح الروسي في سباق غزو الفضاء.

وعندما هبطت مركبة الفضاء الامريكية ابولو 11 على سطح القمر عام 1969م، قام رواد الفضاء الامريكان  بوضع ميداليات تذكارية لرواد الفضاء الذين غيبهم الموت اثناء قيامهم بواجباتهم، منها مدالية تذكارية باسم رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين تقديراً لجهوده.

الموت نهاية كل مخلوق لكن المؤامرات لم ولن تنتهي، كيف مات اول انسان صعد للفضاء الخارجي؟

للأسف الشديد ان يوري غاغارين توفي في عمر الورود، حيث لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من العمر عند وفاته، فبتاريخ 27 آذار/مارس 1968م قتل او مات غاغارين بينما كان في رحلة طيران تدريبية على طائرة ميج 15 من قاعدة تشالوفسكي الجوية مع المدرب (فلاديمير سيريوجين). تم حرق جثة غاغارين والمدرب الذي كان يرافقه وتم دفن رماد جثتيهما في احدى واجهات الكرملن بسرية تامة.

هذا النصب الموجود على جدار الكرملن يبين تاريخ ميلاد ووفاة يوري غاغارين ويمثل قبره حيث تم دفن رماد جثته هنا.

تعددت الروايات في موت او مقتل غاغارين وقامت ثلاثة جهات مختلفة (على الأقل) بعمل تحقيقات للوصول الى الحقيقة والأسباب التي أدت الى الوفاة، واحدة من هذه التحقيقات قام بها سلاح الجو الروسي وأخرى قامت بها الحكومة الروسية وثالثة قامت بها المخابرات الروسية المعروفة ب(KGB).

اما عن الروايات المختلفة لموت او مقتل غاغارين فهي باختصار كمايلي:

الرواية الأولى:

ان الظروف الجوية كانت سيئة وقت وقوع الحادث بالإضافة الى ان معلومات الطقس والاحوال الجوية التي اعطاها المراقببون الجوييون لغاغارين ومدربه كانت غير دقيقة، كذلك فان الطائرة التي أعطيت لغاغارين كانت تحمل خزانات وقود خارجية بينما طبيعة رحلته التدريبية لم تكن تحتاج الى الخزانات. خرجت هيئة التحقيق بالنتيجة التالية لسبب الحادث الذي أدى الى وفاة غاغارين ومدربه: (اصطدمت طيور بطائرة غاغارين، او ان غاغارين حاول تجنب الاصطدام بطائرة اخرى وذلك بالابتعاد والالتفاف بسرعة عنها مما أدى الى انهيار الطائرة (Stall) ودخولها بدوران التفافي والهبوط للاسفل (Spin) يصعب الخروج منه وخاصة ان طائرة غاغارين كانت على ارتفاع منخفض لا يسمح لها بتفادي هذه المناورة الصعبة، اضف الى ذلك الظروف الجوية السيئة وان الطائرة كانت محملة بخزانات وقود خارجية، كل هذه الأسباب أدت الى سقوط الطائرة وموت غاغارين والمدرب).

الرواية الثانية:

ان فتحة دخول وخروج الهواء من والى غرفة القيادة تركت مفتوحة عن غير قصد (اما ان الطيار الذي قاد الطائرة سابقاً تركها مفتوحة او ان احد افراد الصيانة قام بذلك)، لذلك عندما حلق غاغارين ومدربه بهذه الطائرة حصل فيها نقص بالاكسجين لان قمرة الطائرة لم تعد مضغوطة وبالتالي غير قادرة على توفير الاكسجين اللازم للطاقم، مما استدعى من غاغارين ومدربه ان يقوما بعملية هبوط سريعة الى ارتفاع اقل حيث توجد كميات كافية من الاكسجين بالجو، ويقول التقرير انه اثناء محاولتهما تقليل ارتفاعهما بسرعة عالية أدى ذلك الى فقدانهما الوعي وبالتالي الى الاصطدام بالارض وتحطم الطائرة وموت من فيها.

الرواية الثالثة:  

تقول هذه الرواية ان طائرة سوخوي اس يو 15 كانت تطير بسرعة عالية جداً اجتازت حاجز سرعة الصوت، وقد مرت هذ الطائرة على بعد 10 – 20 متراً من طائرة يوري غاغارين ومدربه مما أدى الى فقدانهما السيطرة على الطائرة بسبب الموجات الهوائية العالية والقوية التي سببتها طائرة السوخوي وبالتالي أدت الى وقوع الحادث المميت.

الرواية الرابعة:  

تتبنى هذه الرواية فرضية المؤامرة، حيث قيل ان رئيس الاتحاد السوڤياتي آنذاك (ليونيد بريجينڤ) كان يشعر بالغيرة من الشعبية التي حققها غاغارين كأول انسان يصعد الى الفضاء ويدور حول الارض ويراها من منظور مختلف، ليس هذا فحسب بل الانتشار الواسع والشعبية العالمية لشخصية غاغارين، فقرر تصفيته حتى لا تطغى شخصية غاغارين على شخصية بريجينيڤ.

بغض النظر عن الرواية الصحيحة التي أدت الى وفاة يوري غاغارين، لكن لا بد من الاعتراف بان الاتحاد السوڤياتي السابق (روسيا الان) قد خسر؟ خسارة كبيرة بفقدانه لأول رائد فضاء في التاريخ البشري وهو ما زال في مقتبل العمر.

المرجع ١